١/١٢/٢٠٠٦

أنظرُ إليك



مرام المصري

3

لرمانة

المحتفظة بأسرار

لآلئها

لا تزال تنتظر

أن تخلعَ

قشرتها اللامعة..

العطشُ موعودٌ

بسائل

طيّب..

4

أستطيع أن أميزها

من بين كل

القبلات

تلك التي تطبعها الرغبة.

أستطيع أن أعرفها

من كل

الرغبات

تلك

التي يؤججها

الحُب.

5

أيُّ

جُرم جميل

اقترفتُ؟

تمتعتُ

بجسد

أهداني

نهرا مسكرا

وانتفاضة حياة..

8

قالت: نعم

التهمتهُ

كنت جائعة

كرجل..

وكرجل

طرحته رغبتي

مزدهرة بذكورتها..

9

أعدو أركضُ أتمهلُ أصعدُ أهبطُ

أدنو أبتعدُ أصرخُ

أئنُ ألهثُ أصمتُ أضيعُ أتواجدُ أعصفُ أمطرُ

أبكي أضحَكُ..

امرأة في عرس شهوتها

تضج بملائكة رجُل..

10

كفقير يأكل

حتى التخمة

خوفا من يوم

لا طعام فيه

أنظر إليكَ

في حُضني..

15

ستسكنكَ

رائحتي

وعندما ستتعرى

ستعبق

متهمة إياك

بخيانتي.

20

أعرفُ انه

لم يكن عليّ

أن أدعه

يكشف عن نهدي

كنت أريد

فقط

أن أريه

أني امرأة..

اعرف انه

لم يكن عليّ

أن أتركه يتعرى

كان

يريد

أن يريني أنه

رجل

فقط..

88

ترعى

أعشاب الشهوة

في أصيص بطنها

تشذبها

مؤمنة

أن جمالها

مرآة

لرغبات

الفصول المتقلبة..

89

مبارك بطنُك

المليْ

بالرغبات والخوف

صدرك العام الذابل..

فمك الذي

يسيل صوتا

ومياها..

أصابعك

التي تكتب

التي تمسح

التي تبني

التي تهدم..

مباركة

شهواتك

وآلامك..

مبارك

عن

مرام المصري - Kikah

١٢/٢٩/٢٠٠٥

a

اليوم السابع

هنادي زرقة
(سوريا)

هنادي زرقةستة أيام
لم أنم
في اليوم السابع
لم أسترح
لا وجود لشيء حسن
أهيئ سماء جسدي وأرضه
و لا أحفل بزائر
هل كان عليّ
أن أُخلَق وأغوي
أعاقب الكائنات
أخفي النبوءات
أبرز التجاويف
لا شيء
لا شيء يعجبني
البدايات كما النهايات
مفتوحة دوماً
ولا أعرف كيف أسير
وسط الحشد بانتظام
و لا شيء يقلقني.

***

اليوم صباحاً
لم أقلب فنجاني
كما يحدث عادة
في الدوام الرسمي
و أتوسل الفتاة البلهاء
أن تكشف لي
خبايا الرسوم والخطوط
اليوم.... لن أفعل شيئاً
فقد عرفت منذ المساء
أنك غادرت سريري.

لا أستطيع أن أحبك كما تستحق
فأنت
و إن كنت الأخير الذي طرق بابي
أكبرُ من وهم
و أنت
و إن كنت الوحيد
الذي سمحت له بولوج عتمة روحي
كنت مضمخاً برائحة الأطفال
مسكوناً بعبث الغمام
وأنا
خائفة أن أبتلّ
لا أستطيع أن أحبك كما أشتهي
فأنا
وإن كنت آخر النساء
التي ستورّثها نبض قلبك
وحرارة حلمك
أحبك
أخاف إن تفصّدت مسامك
أن أخرج
كالخيبة بين أصابعك
وأسقط في الرمل.

***

لقد عاد
عاد
مع أنك غيرتِ أقفال قلبك
عاد
كأنه لص بارع في فتح الأقفال
ربما كنت تدعين
أنك غيّرت الأقفال
لكنه لم يخلع باباً
لم يفعل أي شيء
هل تركتِ الباب مفتوحاً
لماذا تندهشين
ألستِ من راهن
على أنه من دخل هواءك
لا يستطيع الخروج منه
كنت تخبئين دائماً شيئاً من الحكاية
فيًضطّر الرجال للعودة
وإذ يعودون
تكونين قد نسيت الحكاية
يعودون
لأنه يجب أن يعودوا
هكذا دون سبب واضح
كلما خرجوا منك
يصطدمون بالجدار.

١١/٠٥/٢٠٠٥

عرضت لنتاج أربعة أصوات شابة من سورية ولبنان..

أمسية أدبية في الثقافي الروسي تتجاوز نصوصها الإبداعية خيار (أن لا نكون)

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 29 أيلول 2005
حوار ومتابعة: هدى قدور


تجاوزت الأمسية الأدبية (... أو لا نكون) في المركز الثقافي الروسي بدمشق، حدود نصوصها الإبداعية لتحجز لنفسها مكاناً وسط المواقف المستنكرة لكل محاولات التشكيك بوحدة الروح اللبنانية السورية الموزعة بين جسدين.

الأمسية التي شهدها حضور كبير احتشد في قاعة الموسيقا بالمركز، أحياها أربعة أصوات شابة من سورية ولبنان، ألقت نصوصها، شعراً وقصة، طارقة أبواب مواضيع متنوعة منها الوطني والإنساني، وقد تفاوتت في مستواها الفكري وبنائها الفني، تميز منها الأصوات الشعرية اللبنانية وقد بدت ناضجة أمام الأصوات الأنثوية في الأمسية، إذا ما قيست بزمن تجربتها الإبداعية وعلاقتها المحدودة مع المنابر الثقافية. والأصوات الأربعة هي جزء من نسيج مبدع تعتمد عليه مجلة عشتروت الثقافية في صفحاتها، ويدخل ضمن خطتها، بوصفها الأساس والغاية، في مشروع (ملتقى عشتروت الثقافي) لتقديم المبدعين، وخصوصاً الشباب، إلى الجمهور المهتم ، في تماس مباشر بين المبدع وقارئه، كما أشار الأستاذ يعقوب قريو رئيس تحرير المجلة، وقد جاءت أمسية المركز الثقافي الروسي الاثنين 26/9/2005 بوصفها محطة أخيرة لمشروع الملتقى، سبقته محطات في صور وبيروت، وستعقبه محطات أخرى في حلب ولبنان، وربما أقطار عربية أخرى.

بلال المصري.. الشاعر الذي غاص في حب قديم مع دمشق: ‏

افتتح الأمسية الشاعر الشاب اللبناني بلال المصري بمجموعة من قصائده المختارة من ديوانه الأخير (عتم المرايا) تداخل فيها ما هو ذاتي مع الهم العام، فتنوعت أغراض قصيدته وتعددت معانيها، كما بدت على هذا النحو قصيدته (جنين) التي يقول فيها: ‏

واذهب إلى الموت لأسميك شهيداً ‏

فلسوف أعلق اسمك ‏

فوق ساحات الخراب ‏

ليكون وجه الأمة حاضراً ‏

مهما اشتد الغياب. ‏

للمرة الأولى يزور الطرابلسي بلاد الشام، احب المدينة، كما قال لتشرين، كما لو أنه يعرفها منذ زمن طويل، فغابت عنه متعة اكتشاف الأشياء ليغوص في حب قديم معها، فقد بدت حميمية كما لو كانت جزءاً منه.. يكتب بلال الشعر منذ سنوات، وقد أصدر ديواني شعر أحدهما (نجم يهوي على فرس الذاكرة) مشترك مع زميله الشاعر علي حمام، ويعد اليوم لإصدار رواية (المينا) التي تطرح جملة من الأسئلة، كما يقول، حول الوضع العربي من زاوية القضية الفلسطينية وواقع المخيمات، وفي معرض إجابته عن سؤال تشرين حول ما يمكن أن ينجزه الشعر حياتياً يقول بلال: (إن أي عمل ثقافي من الممكن أن يغير ويقلب الأوضاع رأساً على عقب، ولقصيدته همها النضالي الذي تحمله وإن كنت أريد أن أكتب معاناتي في القصيدة، فأنا في الوقت ذاته أريد أن أعبر عن الآخر، وأدع نفسي لأرها في مرآة الآخرين). وفي فلك الرؤية ذاتها لمضمون القصيدة ودورها، ألقى بلال قصيدته (النهد تفاحة العاشق) أنشودة حب يفرد عبرها اعتراف العاشق:

كم مرة قلت أحبك ‏

عن غير قصد.. وطار ثغري إلى شفتيك ‏

فاحتل الدفء مدن البرد. ‏

ندى الشيخ.. خانتها حركات الإعراب وأنصفها الجمهور: ‏

الشاعرة الشابة ندى الشيخ القادمة من الحسكة السورية، مدينتها التي شكلت إحدى أركان قصيدتها الأولى (بطاقة تعريف) قدمت مجموعة من القصائد النثرية، احتل الحب وشجون الأنثى كثيراً من مواضيعها، ولكنها تعثرت برهبة مواجهة الجمهور للمرة الأولى، فتلعثمت حيناً وخانتها حركات الاعراب حيناً آخر، دون أن يمنع ذلك تدفق نبض جميل عبر كلماتها، تجلى على نحو دافئ في قصيدتها (حلم):

أشعل على جسدها جميع شموع العاشقين ‏

رقص رقصة زوربا ‏

وعبر جميع الطرق التي كانت مغلقة ‏

سقاها شراباً صنعه من شهد شفتيه ‏

حرث أرضاً بور ‏

لكنه لم يستطع غرس بذوره ‏

لأنه لم يخلق لها ‏

وخلق لأنثى أخرى. ‏

الأمسية هي الأولى لندى الشيخ، أمام جمهور، قالت لتشرين، إن له رهبته، بعد أن اعتادت أن تلتقيه عبر صفحات عدد من المجلات والصحف المحلية والعربية، أهمها مجلة عشتروت، وقد جاءت مشاركتها في أمسية اليوم عبرها، وهي تدرك أن اللقاء هنا مختلف، يحتاج لنوعية من القصائد فابتعدت، كما تقول، عن القصائد الحوارية والتي يحتاج الاستمتاع بها إلى قراءة أكثر من الاستماع. وتشير ندى في حوارها لتشرين بأن الجمهور رغم رهبة اللقاء الأول سرعان ما أعطاها مد قوي، فشعرت معه بألفة كبيرة، تلك الألفة كانت غايتها عند اختيار قصائد الأمسية، فهي، كما تقول، تسعى لتنشئ عبره علاقة بينها وبين الجمهور، هي أساس اختيارها لما تقدمه من قصائد.. مؤكدة في النهاية أن القصيدة مهما تنوعت أغراضها وأفكارها تبقى تحمل رسالة سامية هي وظيفة الكتابة في الدرجة الأولى. ‏

علي حمام.. أحب بيروت، وأحب دمشق أكثر:

ولأن واثق الخطوة (يلقي ) ملكاً، قدم الشاعر الشاب علي حمام باقة من قصائد ديوانه (بلا قصد تشتهيك العصافير) ارتجلها أمام الجمهور بتأثر عال، يشهد على تمرسه خلف المنابر، فأمسية دمشق كما يقول، لم تكن الأولى له بل سبقها أمسيات في بيروت وطرابلس وصور. ‏

أربع سنوات قضاها علي في العمل في المسرح، في فرقة أحمد الزين، لم ينقطع خلالها عن الكتابة، أصدر خلالها ديوانه المشترك مع بلال قبل أن يصدر أخيراً ديوانه (بلا قصد تشتهيك العصافير)، ينسج في إحدى قصائده أمنية صغيرة:

في الشارع ‏

حيث الرصاص ‏

لا رغبة لي في أن أحبك ‏

لي رغبة، واحدة ‏

أن أرجع إلى شجري سالماً ‏

كالرياح ‏

ولا ينفصل علي عن محيطه في قصائده، يعترف علي لتشرين، فهي جزء من معاناة الآخرين،وعبر النص الأدبي ينقل هذه المعاناة، التي بدورها ستجد صدى في نفس القارئ فتصله الفكرة.. يشترط علي حبه للقصيدة أولاً ليقدمها للآخرين، لافتاً بأن القصيدة الجيدة هي تلك التي تليق بكل الأحداث فالشعر، كما يقول، ومضة في هذه العتمة الطويلة ولهذا نحن نقرض شعراً. وفي الأمسية،إلى جانب ما ألقاه من قصائد عن الروح، قرأ على محمد في قصيدة استعادت ذكرى الغائب الحاضر: ‏

محمد ‏

على باب لاسمك يستريح العابرون ‏

فاذهب ‏

كوليمة ضوء لذئاب المدى ‏

كخيط ‏

شد أفقاً تكور ‏

أو تقوس كالزبد. ‏

يحب علي حمام مدينته بيروت، يخبرنا الشاب، فهو ابنها، ولكنه يحب دمشق أيضاً، فهي مدينة تنبض بالروح والحياة لذلك فهو يحبها أكثر. ‏

سناء رزق عون.. والتفاصيل الكاملة للعشق:

القاصة سناء رزق عون، كانت خاتمة مسك الأمسية، قدمت قصة قصيرة (أرملة الروح) ربما عابها الاستغراق في التفاصيل قليلاً، لكنها تجاوزت الأمر بلغة شاعرية حالمة، تشهد بولادة قاصة سيكون لها شأن كبير في المستقبل. ‏

ولأن أمسيتها الدمشقية كانت برفقة ثلاثة شعراء، عمدت سناء إلى أن يكون بطل قصتها شاعراً كبيراً، وتكون بطلتها فتاة تروي تفاصيل العشق كما عاشتها مع الشاعر الكبير الراحل. ‏

القصة بالمجمل حملت لغة مميزة، خاطبت سناء عبرها جمهور، قالت عنه لتشرين، انه أساس اهتمامها، وأنها عندما تكتب تحترم هذا الجمهور، وتحترم واقعه، لذلك ترى أنه من المستحيل أن تقدم نصاً له ليست راضية عنه. ‏

وعن مدى التصاق قصصها بالواقع، تقول سناء: عندما تستمع إلى قصة من عالم الفضاء، من الممكن أن تغادر الصالة لأنك أمام عالم لا تعرفه، وبالتالي فإن أساس الأدب وأجمله ذلك المستقى من حالة واقعية في المجتمع، وأنا من المستحيل أن أكتب شيئاً مخالفاً لعالم الواقع. ‏

على هذا النحو قدم الشبان الأربعة أوراق اعتمادهم في عالم الإبداع، في أمسية أعادت للذاكرة المشتركة حكاية الروح الواحدة والموزعة بين جسدين.. هكذا نجح الشباب في إيصال الرسالة، ونجحنا نحن في تلقيها. ‏

١٠/٢٧/٢٠٠٥

كمن فقَد ضالّتهْ التي ضاعتْ منذ الأزل

سيف الرحبي
(عمان)

تلزمنا طيورٌ كثيرةٌ
طيور أسطوريةٌ
تعمل كجرّافاتٍ
كي تكنسَ السماءَ من روث الطائرات الحربيّة

* * *

القممُ المنتشرةُ في أرجاء الأرض
القممُ التي لا تفتأ تتبادل رسائلَ حبٍ وسخريةٍ
لا يستطيع البشرُ فك شفرتها الغامضة.

* * *

يستحمّ النورسُ في النهر وينتفضُ
كقريةٍ تصحو بتضرّعاتها المتصاعدةِ
نحو الله.

* * *

بحنانٍ أكبرَ
أيها الخطّاف تحمل الماء بمنقاركَ
إلى تلك المحلّقة في الأثير.
وأنتِ أيتها الغيوم، لنباركْ زحفكِ المقدّس،
من أعالي النهر..
وبالحنان نفسه كنا نحدّق فيك من شرُفات
الأودية، تتشكّلين في خيال الطفل، قبل أن تكوني
مشروعَ ديمةٍ ونماء، قادمةً كلآلئ
السراب من البعيد، البعيد حيث تسكن الملائكة الخضْر

* * *

امرأة تتنزّه مع كلبها
على حافّة النهر
وجهها الناضح بالطمأنينة والسلام
أحمله كزادٍ لهذا اليوم الغائِم،
مندفعاً نحو المجهول.

* * *

نائمة تحتَ الرذاذ المشمسِ
النجوم الحنونة تداعب أناملكِ
والشجرةُ تسّاقط ثمارُها في الأحلام الورديّةِ
لأول فجرِ يبزغ في سماء الجنّة..
سحرُ امرأة نائمة
سحرُ آلهة عاشقة.

* * *

تتأوهين
كأنّ بكِ مساً من برْقٍ وجنون
حين لامسكِ الهُدْهد،
وقبل أن يتيه في غوْركِ العميق
أشرقتِ بالبكاء
كما الأرض العطشى
الموغلة في الجدْبِ
حين يراودها المطرُ
ينشق من رَحمِها خيطُ بركان

* * *

حين يصحو من نومه
وحين يغفو
في الصباح القاتم والمساء البهيج،
يردّد، يهذي:
لا، لم يبق وقتْ
ليس ثمّة وقت
الموت يشمشم الأثرَ على العتَبَة
كما يشمشم الذئبُ بولَه لحظةَ هياجٍ
في الدائرة التي رسَمَها للرحيل.
ليس ثمة وقتٌ
ترتجف العبارةُ من جرف كيانه
تتساقط من شجر اللاوعي العميق
تسدّ عليه الأفق والطُرقات
وأحياناً تهمي مطراً
على جسدِ امرأةٍ تضيء طرفَ الأنفاقِ
المظلمة.

* * *

هكذا عانق الشبحُ توأمَه
وسط الظِلال المحتدمةِ لصليل المجزرة.

* * *

في النهر المتلوّي أمامه
حيث المتنزّهون بكلابهم الكثيرة
والعجائز يجرجرون السنوات؛
يحدّق في المياه
يستنطق مخلوقاتها الدفينة
كمن يبحث عن ضالته التي ضاعتْ
منذ الأزل.

* * *

الكلبُ يقعي على برازِه
الغمام يَحوم
والسنونو يتماوج في الفضاء الجَهْمِ
حاملاً في مناقيره ربيعَ القارّات.

* * *

في الحديقة العامة
التي تشبه غابة،
تتشكّل السُحُب في هيئة كثبانٍ، على صفحتها
توشك القطعانُ أن تغرق في مغيبِ
البحيرةِ التي يطير البط فوقها بأجنحةٍ من ذَهَبْ.
نخلةٌ غريبةٌ
على ذوائبها فراشاتٌ وعصافير.
الحارس يطلق صفّارة الإغلاق
البشر يخرجون، أفراداً وجماعات
تاركين شعوبَ الحديقة تنعم بالأحلام،
عدا السيد(شوبنهور)
الذي بادره الحارس:
من أنت أيها السيّد؟
أجاب الفيلسوف المُثْقل بالوجود الجريح والأسئلة
"ليتك تجيبني على السؤال كي أكون مديناً لك طوال العمر"

* * *

هذا الصمتُ
الذي يلف الغابةَ
كما تلف الأمُ رضيعَها
هذا الحنانُ الكاسرُ للصحراء المتدفّقة خضرةً
سر الكينونة الغضّ
لهذا الفراغ الناطق.

* * *

الأنثى فرجُ الغابة
مركزها الحسي الأكثرَ رهافةً وأنيناً.
والغابة
سُرّة كوكبٍ يبحثُ
عن مستَقرّه وسط دروب المجرّات.

* * *

طائر يحط على قبّعة تمثال
يطلق صفيراً متوتراً وحاداً
كمراثي أمّةٍ
على حافّة الانقراض.

* * *

مرّتْ أيام وشهور
والمطر لا يغشى هذه الضِفاف
الغابة تحصي عصافيرَها
في الظل
خوفاً من صاعق الجفاف.

* * *

يكتب الغريبُ اسمه
على جذع شجرة سامقة
لا يأبه به أحدٌ،
وقبل أن يأتي المطرُ
ليمحو المدادَ من جذورِه،
وحدَها الغابةُ
تحفظه في ذاكرتها السرمديّة

* * *

يستجدي ذاكرته المدرّبة على الحفظ
والأوراد
ذاكرته المثقَلة بالأماكن والوجوه
بالنساء والصداقات
والكتب.
الأسيرُ المغدورُ يمتحن ذاكرتَه
ليلوذ بها من فظاعة المشهد
لكنّه يسقط المرّة تلوَ الأخرى
في بركة الدم التي يرفس فيها
طائرٌ جريح

* * *

الأفق مدلهمٌ
واللغةُ سوداء
لكن وجودَكِ في ثناياها
بوجهكِ البليغِ
غداةَ الظَعنِ
أعطاها كل هذا المدى والإشراق

* * *

في ليل المدينة الخانق
يقفز من السرير
ليمسكَ بالعبارة التي تخبط أجنحتَها
في رأسه
كي لا تطير بعيداً عن مدار يده المرتجفة
بالأرق.

* * *

أمام التمثال الذي ينضح وجهه
بالشر
أحسّ أن لسانهَ يمتدّ نحوي
بسخريّة
تتجاوز الموتَ والزمان.
تجتاحني موجةُ الغضب
فألوي عنقَه في الوهم
شاقاً بحرَ التماثيل
بعصا الجد الناعقِ في البريّة

* * *

الطائر مرةً أخرى فوق رأس
التمثال
يسلح برازَه على العَظَمة الغابرة.

* * *

إلى ف. وولف
على المنحنى الجارف للنهرِ الكبير
تلك البقعة الأثيرة على قلب الرب
الواحةُ المقطوعة من الروح،
حدّقتْ للمرة الأخيرةِ
في المنحنى الناصع بالبياض مثل قلب السيدة
حدّقت في الحمائم والسُحب والأفكار
في طفولة العالم المغْتَصَبَة
أزاحت القبّعة الفكتوريّة جانباً
أوثقت الحصى كزرَدَ المحارب
كي لا يطفو الجسدُ فوق المياه
وسافرتْ
في ظلام موجها الأخير.

* * *

كان ينظر في المرآة
يحدّق في وجهه بعيداً، بعيداً،
في كهوف المرآةِ
حتى رأى طيوراً مذعورةً
تقطع ممرّات مائيّة عاصفة،
باحثةً عن ملاذ.

* * *

إلى برونو باتلهايم
على شاطئ البحر
وحواف الأنهار السعيدة
يبني الأطفالُ الأبراجَ والقلاعَ،
موحشةً تضطرب في جنباتها الريح
لا أثرَ لأقدامٍ مرّت
لا أثرً لإنسانٍ أو حيوان
حتى الحارس المعهود يختفي ويذوب...
هكذا يختار الأطفال قلاعَ أحلامهم
التي يمتد خواؤُها، مساحةَ العمر بكامله
قاذفاً خميرة العدَم الأولى
إلى أصقاعٍ لا سقفَ لها ولا قرار

* * *

الآلهة
التي تعبدها الأقوام القديمة
حين يشتد غَضبُها
وتأتي بالزلازل والطوفانات
لتهلك الأرض والبشر،
لا يهدأ أوارُ عنفها
إلا حين تشتمّ رائحة القرابين
رائحة الدم.

* * *

ارتاحت الآلهة للذبيحة
تنسّمت هبوبَ الدم المراق
حتى (إنليل) الأكثر عصبيّة واندفاعاً بين
الآلهة
هدأ رَوْعه، وأدرك خطيئة الإفناء
الكامل الذي بموجبه سيعيش
بعيداً عن مخلوقاتِه وضحاياه..
ماذا سيعمل برهةً احتدام الضجر والوَجْد العدائي؟
بمن سيفكر مبتكراً - باستمرار- طُرقاً جديدةً
للخلْق والتدمير، تلك الصفات، أو للُعب المسلّية،
ربما حدّس الإله الأسطوريّ أن في ضحاياه بعض
شَبَه منها، وأنها ستكبر مع الزمان..
كان ذلك مبكراً في عمر الآلهة والبشر.

* * *

هناك في (هرمجدون) قريباً من
بيت لحم،
قَدِم الملوكُ والقادة والرموز، الأسلحةُ
والجيوش.. من كل الأقاصي والأصقاع احتشدوا
لخوض المعركة القياميّة الأخيرة، التي سيختفي
على أثرها العالم من سطح البسيطة ويسود الهدوء...
لكنّهم خلال ذلك المدّ الهائل للأقوام وهم
ينصبون المنصّات العملاقة للمذبحة، وجدوا
أن العالم قد انتهى قبل وصولهم بزمن طويل، افترسَ نفْسَه
عبر تاريخه المسترسل في الهدْر والنزيف.
فكان ذلك الارتطام المدوّي عجزاً ويأساً لشهواتِ
الدم الأكثرَ أصالةً وميتافيزيقيّة في الخَلْق.
أخذوا يشربون النبيذَ المعتّق لمدينة المهد بوجوهٍ يملؤها
الدمعُ والمخاط لهذه الخاتمة اللاملحميّة البائسة.

* * *

يحفر النيزك في الأعماق
المتصدّعة مجراه
ناثراً بذرةَ الحياة

* * *

لستَ وحدَك من أتى إلى هذا
العالم
ولا من يذهبْ
الأمم جميعُها عبرتْ هذا الصراطَ
الفاصلَ بين الرمضاء والجحيم..

* * *

تتوالى الأيام واللحظات
كما الكلمات والأحرف في صفحات كتاب
ألّفه الأقدمون
قبل آلاف الأعوام.

* * *

البارحة رأيتُ فيما يرى النائم
أنني مريض
وحلقي ملتهب
باحثا عن طبيب في بلادٍ بعيدةٍ
أجدّف في الموج العارم للذكرى:
فتاة السطوح أضحتْ عجوزاً
عصْبة اليمنيّين الذين يشكّلون كلّ يوم
مسودّة حزب في (زهرة الدفلى)
لم يعودوا
والبَسْطاتُ الصاخبة للشارع
حيث زوجات الباعة يتبادلن الخيانات تحت المصاطب
توارت إلى الأبد..
من ركام هذا المشهد السديميّ
ينبثق جمال عبدالناصر راكباً على حنطور
متحدّثاً إلى كائناتٍ لا مرئية عن التاريخ:
ما هو التاريخ؟
هل هو مضادات حيويّة
أم سوائل مثلّجة يشربها سواح بلهاء
أمام متحف التحرير؟

* * *

لا تستطيع المرأةُ
أن ترتق هذا الثوبَ،
لقد كبر الخرقُ
حتى وسع العالمَ
أحياء وأمواتا.

* * *

المملكة السبئية المزهرة
وقبلها إمبراطورية سليمان الحكيم
الذي نفى الهُدهد إلى قوم من غير جنسه
كأقصى حالةٍ للعِقاب..
ثمة ستة قرون تفصل بينهما،
لكن اللقاء السحريّ بين الملك
وبلقيس
فتح لنا خزائنَ الجمال والسر التي
ينوءُ بها فقر الواقع والتاريخ

* * *

في ذلك الصّقْع البعيد
الحياة مؤجلة والموت كذلك
وبين فراغين هائلين
ثمة ثقبٌ لا تاريخَ له
دأبتْ فيه المجرّاتُ على التناسل
والكلابُ على النباح.
ويمكنك أن ترى الأفق من ذلك الثقبِ
لكنك تسقط ثانيةً
في أتونه الملتهبة.

* * *

الموجة ترتطم بالشاطئ
يقفر منها سِرب أسماك مضيئة
الموجة الأكثر جدارةً بالحياة
تعبر منذ ملايين السنين الضوئيّة
لتضمحل لحظةَ الوصول

* * *

من قلب المذبحة
من معتركِ المحنة
من الأيام التي أضحتْ بلا أصدقاء ولا دليل
يهربَ الطائرُ
حاملاً في منقاره خرائبَ ومفازات
بحثاً عن واحة ظل منسيّة

* * *


إلى صبحي حديدي
القهوةُ
رائحة القهوةِ من جديد
على إيقاع فجر العاطفة
مع الرشفة الأولى:
ثمة صيّادون في عَرْض المحيط
يسحبون شباكاً مليئةً بالصباحات والمدُن
بالورود والملائكة والشياطين
بانبلاج الحرف الأول
من غَبَش الجملة العصيّة،
في ليل دمشق العريق.
بالدخول الأوّل في حفرة الأنثى
وهمهمة الرعد.
مع الرشفة الأولى
ثمة فلاّحون مع نسائهم
يمرحون في الحقول النائية
للقامشلي

* * *

آهٍ... هذا الذي يفصل بيننا
ليس المسافة المقدور عليها بالتأكيد
وليس...
هذا الساقط من الأعلى
أو من الأعماق السُفليّة
آهٍ...
أرخبيل الموتى منذ الطوفان الأول
يلتفّ علينا، تنانينَ هائجة في ظهيرة الربع الخالي
أم نزيف الأبديّة في الجبال؟
اليد لا تستطيع التلويح
والقُبلة لا تقوى على الظهور
القُبلة المتجمّدة في الهواء
كدمعة في محجر تمثال محطّم.
ما هذه الحفرةُ الهائلةُ من الفراغ والظلام؟

* * *

بين جبل وآخر
بين وادٍ وواحة نخل ناعسة،
تتناسل هاوياتٌ وأشباح
كأنها المخطط الأول للخليقة.

* * *

على آخر نفحة في الموسيقى
تلك القادمة من إيطاليا
على أجنحة الأثير المضطرب
أو من أرض (موتسارت)
حيث الأبقار ترعى هانئةً
في الحقول
والنسوةُ يتدثّرن بمعاطفَ ثقيلة،
يستيقظ من نومه
يستقبل هديّة اليوم الأوّل للحب
متنزهاً على أرض طفولته القصيّة،
زنبقة يفيض أريجُها
على صباحٍ يدلف الأعماق

����
���� ������