٢/٠٩/٢٠٠٥

مقطع من قصيدة بسوا التي غيّرت حياة أنطونيو تابوكي مكتب التبغ
لستُ شيئا.
لن أكون شيئا يوما.
لا أقدر أن أشاء ألا أكون شيئا.
باستثناء ذلك، أحمل فيّ كل أحلام العالم.

يا نوافذ غرفتي،
غرفتي التي خلية مجهولة في المنملة البشرية،
(وأي معرفة أصلاً إن عُرفتْ؟)،
تطلّـين على غموض شارع لا يكفّ عن الذهاب وإلاياب،
شارع لا يمكن أن تطاله ولا أي فكرة،
حقيقي ما وراء الممكن، أكيد أبعد من السرّ،
مع ألغازه المطمورة تحت الحجارة والناس،
مع الموت الذي يعفّن الجدران ويبيّض شعر الرجال،
مع القدر الذي يجرّ عربة كل شيء على درب اللاشيء.

اليوم انا مهزوم، كما لو اني اعرف الحقيقة؛
أنا اليوم واعٍ كما لو أني سأموت
ولم يعد من تآخ بيني وبيني الأمور
سوى تآخي الوداع، اذ يتحول هذا المنزل وهذه الجهة من الشارع
قافلةً من الحافلات، صفّارة انطلاقها طالعة من أعماق رأسي:
تخلّع أعصابي وصرير عظامي حين تقلع.

أنا اليوم حائر، كمن فكّر، وجد ثم نسي.
ممزّقٌ بين الولاء الذي أدين به لمكتب التبغ،
بصفته حقيقة الخارج،
وبين شعوري بأن العالم محض حلم، والحلم حقيقة الداخل.

لقد أخفقتُ في كل شيء
لكني إذ لم أكن طموحا، لم يكن ربما هذا الكلّ شيئا يُذكر.
المبادىء الصالحة التي علّموني إياها،
هربتُ منها عبر نافذة الفناء.
ذهبتُ الى الحقول حاملا مشاريع كبرى،
لكني لم اجد هناك سوى العشب والشجر،
والناس- حيث ثمة ناس- كانوا يشبهون الجميع.
أتركُ النافذة، أجلسُ على كرسيّ.
في مَ يجب أن أفكر؟

ماذا أعرف عمّا سأصيره، أنا الجاهل ما أنا؟
يجب أن أكون ما أفكر فيه؟ لكني أعتقد اني هكذا وأكثر!
كثر يعتقدون الشيء نفسه، كثر حد أنه لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!
نابغة؟ في هذه اللحظة بالذات
مئة الف دماغ ترى نفسها في المنام نابغة مثلي
ولن يحفظ التاريخ منها ربما- من يعرف؟- حتى دماغا واحدا؛
قمامة: ذلك جلّ ما سوف يبقى من هذه الفتوحات المستقبلية.
لا، أنا لا اؤمن في نفسي.
في كل المصحات العقلية هناك مجانين يسكنهم اليقين ذاته!
انا الذي لا يقين لي، أتراني أكثر تيقنا، أتراني أقل؟
لا، لستُ حتى متأكدا مني...
في كم من علّيات العالم ومن لاعلّياته
يحلم في هذه الساعة عباقرةٌ في نظر أنفسهم؟
كم من المطامح السامية والواعية والنبيلة
- أجل، سامية وواعية ونبيلة حقا-
ومن يعرف، ربما قابلة للتحقيق ايضا...
سوف لن ترى قط ضوء الشمس الحقيقي
وستجد آذانا صماء؟
العالم ملك من يولد ليغزوه،
لا ملك من يحلم، وإن عن حق، بأنه قادر على غزوه.
لقد حلمتُ أكثر مما حلم نابوليون بكثير،
وعلى صدري الافتراضي ضممتُ من الانسانية أكثر مما ضم المسيح،
وسرّا صغتُ فلسفات لم يكتبها أي كانط،
لكني سأظل، الى الأبد ربما، كائن العلّية،
من دون ان تكون هذه حتى بيتا لي:
سأكون دائما ذاك الذي لم يولد لتلك الغاية؛
سأكون دائما ذاك الذي يملك هباتٍ، ليس اكثر؛
سأكون دائما ذاك الذي ينتظر
أمام جدار بلا باب
أن يفتحوا له الباب،
ذاك الذي أنشد أغنية اللامتناهي العاطفية في مزرعة دواجن،
وسمع صوت الله في بئر مسدودة.
أن أؤمن في نفسي؟ ليس اكثر من ايماني في لا شيء...
ولتصبّ الطبيعة على رأسي المحموم
شمسها وأمطارها ورياحها التي تلامس شعري؛
أما الباقي، فليكن ما سيكون، أو ليكن لا شيء على الاطلاق
لشبونة، 15 كانون الثاني 1928
ألفارو دي كامبوس
ملحق " النهار " العدد 672 - الأحد 23 كانون الثاني 2005

����