٧/٠٧/٢٠٠٥

مَن لا يَظهَرُ في الصُّورة

رفعت مصري - منذر مصري

سوريا

1- أرتدي مِعطفي فالوَقتُ قَد حان


وإن بكيتُكَ قَليلاً
فَما زِلتَ على مَرمَى النَّظَر .
/
أنتَظِرُكَ
كما لم أفعل في أيِّةِ ليلةٍ مِن قَبل
وأعلَمُ أنَّكَ اللَّيلَةَ أيضاً
سوفَ تأتي
وسوفَ أُمَثِّلُ عليكَ
بِأنِّي لستُ نعِساً البتَّةَ
ولستُ مُنزعِجاً مِن حُضورِكَ .
/
ثلاثُ ساعاتٍ سوف تَمضي
لا يُعكِّرُ صَفوَها
سِوى بعضِ القَرقعاتِ الَّتي أُصدِرُها مِن المطبَخ
وأنا أُعِدُّ لكَ شيئاً تَزدَردُه
لأنَّهُ لا شَيءَ لَدَيَّ لأقولَهُ لكَ
سِوى ما قُلتُهُ مِراراً وتَكراراً
حتَّى سئِمتَ سَماعَه
ولا شَيءَ لَديكَ لتقولَهُ لي
لأنَّكَ تعرِفُ أنِّي لا أُبالي .
/
أرتَدي مِعطَفي فالوَقتُ قَد حان
لأُوصِلَكَ إلى بَيتِكَ
خَشيَةَ أن تَضيعَ
أو يَغلِبَكَ النُّعاسُ على الطَّريق
فَتَنامُ في أحدِ مَداخلِ الأبنية
مَن مِنَّا لم يفعل ذلك
مَن مِنَّا
في نِهايةِ إحدى سَهراتِكِ الطَّويلةِ عِندَه
لم ‌يحملكَ على ظَهره
قَرُبَ بيتُهُ مِن بيتِكَ أو بَعُدَ
لكنَّكَ خذلتَنا جميعاً
فقد كُنَّا نلتَفُّ حولَكَ
لِنَمنَعَ عَنكَ الهواءَ البارِد
ولَكِنَّكَ كُنتَ شخصاً آخَرَ
يَجمَعُنا لِنَدفَأ .
/
أو لِنَحتفلَ بمناسبةِ أعيادٍ
لا يتَذَكَّرُها أحدٌ في العالَمِ سواكَ
أو سَهراتٍ مَفتوحَةٍ على كُلِّ الاحتِمالات
كُنتَ تَقضيها كاملةً
وأنتَ تَقِفُ وَحيداً عَلى النَّافِذَةِ
بانتِظارِ أيٍّ مِنّا
وقَد أعدَدتَ كُلَّ مايَلزَم .
/
كان عليكَ المزيدُ مِنَ الانتظار
رُبَّما كان يكفينا سنتانِ أو ثلاث
لِماذا السُّرعَة
لِنَشرَبَ كلَّ ما بَقيَ لديكَ مِن خمرةٍ رديئة
في قعرِ الزَّجاجات
ونرفعَ كلَّ ما تخترِعُ من أنخاب
ولا نُفَوِّتَ فُرصَةَ وَداعٍ سَعيدٍ
لِصَديق
مَهما كَثُرَت مَشاغِلُنا
ومَهما بلغت درجةُ معزَّته
ثُمَّ نَرحَلَ سَوِيَّةً
دونَ الحاجَةِ
أن ينظُرَ أحَدُنا خَلفَه
ليَتفَقَّدَ الآخَر ..
ـــــــــــ


2- في أيِّ مَنامٍ أو قِصَّةٍ أو فيلم


فادي هو مَن جاءَ مُبكِراً
على غَيرِ عادَتِه
وغسَّان ووَسيم وزياد ودانيال وحُسام
جاؤوا جَميعاً بِغير مَوعِدٍ
أمَّا خَلدون فَعَلى غَيرِ عادَتِهِ
غاب .
/
تَوَجَّهنا جَميعُنا باتِّفاقٍ ضِمني
إلى آخِرِ طَّاوِلَةٍ جلَسنا عَليها مَعاً
في ذَلِكَ المَقهى عَلى البَّحر
قُربَ مَصَبِّ المَجرورِ الرَّئيسي للكورنيش الجنوبي
ولم يَكُن قَد اِنقضى على هَذا أُسبوعٌ
( الأَزمَةُ قَد مَرَّت )
قالَ فادي مُلَمِّحاً إلى غِِيابِ خَلدون
ولم أرغَب أن أعرِف
عَن أيِّ أَزَمَةٍ يَتَكلَّم .
/
لأوَّلِ مَرَّةٍ أنتَ مَن لم يَحضُر
ورَغمَ أنَّها تَكادُ تَبدو
مُفارَقةً فِي الكَلام
ولَكِنَّ ما أَبكانا واحِداً واحِداً
أنَّكَ حَقَّاً
لم تَكُن حاضِراً في حَياتكَ
كَما أنتَ اليوم .
/
كان كُلُّ ما يُقالُ يدورُ حولّكَ
وهذه المرة نحن مَن مَسحنا
بأكُفِّنا المرتجِفة
دُموعَنا التي ساحت على الطّاولة
غَفرنا لَكَ كُلَّ شيء
ولكننا لم نستطع أن نخفِ استياءنا الشَّديد
كيف اتّفق لك أن متَّ
ولم تستأذن أحَداً منَّا .
/
حَلَّقتَ مَرَّات
كَمُحاولاتٍ مُتَكَرِِّرة لِفَهمِ الحُبّ
ولإيجادِ أعذارٍ لنساءٍ شحيحاتٍ
لا يملِكن أكثرَ من أحلامٍ مجَّانيَّة
فَقَد كانَ يَستَعصي عَلى فَهمِكِ
أنَّ لُكلِّ شَيءٍ ثَمن
وبِدَورِه لم يَكُن تَحليقُكَ الأخيرُ ناجِحاً
سِوى أنَّهُ بالمُقارَنَةِ مَع كُلِّ المُحاولاتِ السَّابِقَة
كانَ الأَتَم
وما عُدتَ تَحتاجُ
تَحليقاً آخَرَ .
/
قالَ فادي : ( مُحَمَّد لم يَمُت
فَقَط ذَهَبَ إلى مَكانٍ ما
ولم يَكتُب عَلى بابِ دُكانِهِ
بِأنَّهُ سَيَعُودُ بعد قليلٍ )
وعَلِمنا أنَّكَ تَزَوجتَ وأنجَبتَ أطفالاً
غامِقي الجِلدِ وشَديدِي النُّحول
مِمَّا لا يَدَعُ مَجالاً لِلشَكَّ
بِأنَّكَ الأَبّ
ولا لأَن نَلتَفِتَ لِنَرى
ما إذا كانَ الأمرُ صَحيحاً أم لا
أقصُدُ البابَ واليافِطَةَ والأطفالَ
لأنَّنا .. دونَ أي تَرَدُّدٍ
صَدَّقناهُ
ولم يَكُن هُناكَ حاجَةٌ لنَتَذَكَّرَ
أين حصلَ هَذا
في أي مَنام
أو قِصَّةٍ
أو فيلم ..
ـــــــــــ


3- لم يَبق منهُ سِوى نحنُ


ماتَ ولم يُصَدِّق
واقِفاًً يَسرُدُ النُّكات
مُنتَظِراً أحداً أن يَضحَكَ .
/
ماتَ ولم يُصَدِّق
فَما زالَ بانتِظارِنا حَتَّى آخِرِ اللَّيل
بَعدَ أن تَنفُدَ مِنَّا
المَواعيدُ والسَّهرات .
/
ماتَ ولم يُصَدِّق
وها هوَ يفرِشُ على الأرض
( بابا نَويل ) موديل السَّنَةِ الجَديدَة
قائلاً إنَّه لم يَنزِل
إلى السُّوقِ بَعد .
/
ماتَ ولم يُصَدِّق
يَتَّصِلُ لِيطمَئنَّ عَليَّ
مِن مُجَرَّدِ سَماعِهِ رَنَّةَ صَوتي
أو ليُبَشِّرَني بِقُدومِ صَديقٍ بالكادِ أعرِفُه
أو أنَّ هُناكَ حَفلَةً ساهِرَةً اليَومَ مَساءً
- أين ؟
- عِنَدَهُ في البَيتِ
أو رَحلَةً يَعتََزِمُ تَدبيرَها غَداً أو بَعدَ غَدّ
حيثُ نَظهَرُ في الصُّورِ جَميعُنا
فُرادىً وأزواجاً وجَماعات
ما عَداه
فَهو مَن يَلتَقِطُ الصُّور .
/
ماتَ ولم يَبق مِنهُ سِوى
نَحنُ
وثِيابٍ لا تَصلُحُ
حَتَّى لأُخوَتِه ..

اللاذقية/ من مجموعة قيد النشر بعنوان:
( دعوة عامة لشخص واحد )
لمنذر مصري وشركاه .

����