١١/٠٥/٢٠٠٥

عرضت لنتاج أربعة أصوات شابة من سورية ولبنان..

أمسية أدبية في الثقافي الروسي تتجاوز نصوصها الإبداعية خيار (أن لا نكون)

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 29 أيلول 2005
حوار ومتابعة: هدى قدور


تجاوزت الأمسية الأدبية (... أو لا نكون) في المركز الثقافي الروسي بدمشق، حدود نصوصها الإبداعية لتحجز لنفسها مكاناً وسط المواقف المستنكرة لكل محاولات التشكيك بوحدة الروح اللبنانية السورية الموزعة بين جسدين.

الأمسية التي شهدها حضور كبير احتشد في قاعة الموسيقا بالمركز، أحياها أربعة أصوات شابة من سورية ولبنان، ألقت نصوصها، شعراً وقصة، طارقة أبواب مواضيع متنوعة منها الوطني والإنساني، وقد تفاوتت في مستواها الفكري وبنائها الفني، تميز منها الأصوات الشعرية اللبنانية وقد بدت ناضجة أمام الأصوات الأنثوية في الأمسية، إذا ما قيست بزمن تجربتها الإبداعية وعلاقتها المحدودة مع المنابر الثقافية. والأصوات الأربعة هي جزء من نسيج مبدع تعتمد عليه مجلة عشتروت الثقافية في صفحاتها، ويدخل ضمن خطتها، بوصفها الأساس والغاية، في مشروع (ملتقى عشتروت الثقافي) لتقديم المبدعين، وخصوصاً الشباب، إلى الجمهور المهتم ، في تماس مباشر بين المبدع وقارئه، كما أشار الأستاذ يعقوب قريو رئيس تحرير المجلة، وقد جاءت أمسية المركز الثقافي الروسي الاثنين 26/9/2005 بوصفها محطة أخيرة لمشروع الملتقى، سبقته محطات في صور وبيروت، وستعقبه محطات أخرى في حلب ولبنان، وربما أقطار عربية أخرى.

بلال المصري.. الشاعر الذي غاص في حب قديم مع دمشق: ‏

افتتح الأمسية الشاعر الشاب اللبناني بلال المصري بمجموعة من قصائده المختارة من ديوانه الأخير (عتم المرايا) تداخل فيها ما هو ذاتي مع الهم العام، فتنوعت أغراض قصيدته وتعددت معانيها، كما بدت على هذا النحو قصيدته (جنين) التي يقول فيها: ‏

واذهب إلى الموت لأسميك شهيداً ‏

فلسوف أعلق اسمك ‏

فوق ساحات الخراب ‏

ليكون وجه الأمة حاضراً ‏

مهما اشتد الغياب. ‏

للمرة الأولى يزور الطرابلسي بلاد الشام، احب المدينة، كما قال لتشرين، كما لو أنه يعرفها منذ زمن طويل، فغابت عنه متعة اكتشاف الأشياء ليغوص في حب قديم معها، فقد بدت حميمية كما لو كانت جزءاً منه.. يكتب بلال الشعر منذ سنوات، وقد أصدر ديواني شعر أحدهما (نجم يهوي على فرس الذاكرة) مشترك مع زميله الشاعر علي حمام، ويعد اليوم لإصدار رواية (المينا) التي تطرح جملة من الأسئلة، كما يقول، حول الوضع العربي من زاوية القضية الفلسطينية وواقع المخيمات، وفي معرض إجابته عن سؤال تشرين حول ما يمكن أن ينجزه الشعر حياتياً يقول بلال: (إن أي عمل ثقافي من الممكن أن يغير ويقلب الأوضاع رأساً على عقب، ولقصيدته همها النضالي الذي تحمله وإن كنت أريد أن أكتب معاناتي في القصيدة، فأنا في الوقت ذاته أريد أن أعبر عن الآخر، وأدع نفسي لأرها في مرآة الآخرين). وفي فلك الرؤية ذاتها لمضمون القصيدة ودورها، ألقى بلال قصيدته (النهد تفاحة العاشق) أنشودة حب يفرد عبرها اعتراف العاشق:

كم مرة قلت أحبك ‏

عن غير قصد.. وطار ثغري إلى شفتيك ‏

فاحتل الدفء مدن البرد. ‏

ندى الشيخ.. خانتها حركات الإعراب وأنصفها الجمهور: ‏

الشاعرة الشابة ندى الشيخ القادمة من الحسكة السورية، مدينتها التي شكلت إحدى أركان قصيدتها الأولى (بطاقة تعريف) قدمت مجموعة من القصائد النثرية، احتل الحب وشجون الأنثى كثيراً من مواضيعها، ولكنها تعثرت برهبة مواجهة الجمهور للمرة الأولى، فتلعثمت حيناً وخانتها حركات الاعراب حيناً آخر، دون أن يمنع ذلك تدفق نبض جميل عبر كلماتها، تجلى على نحو دافئ في قصيدتها (حلم):

أشعل على جسدها جميع شموع العاشقين ‏

رقص رقصة زوربا ‏

وعبر جميع الطرق التي كانت مغلقة ‏

سقاها شراباً صنعه من شهد شفتيه ‏

حرث أرضاً بور ‏

لكنه لم يستطع غرس بذوره ‏

لأنه لم يخلق لها ‏

وخلق لأنثى أخرى. ‏

الأمسية هي الأولى لندى الشيخ، أمام جمهور، قالت لتشرين، إن له رهبته، بعد أن اعتادت أن تلتقيه عبر صفحات عدد من المجلات والصحف المحلية والعربية، أهمها مجلة عشتروت، وقد جاءت مشاركتها في أمسية اليوم عبرها، وهي تدرك أن اللقاء هنا مختلف، يحتاج لنوعية من القصائد فابتعدت، كما تقول، عن القصائد الحوارية والتي يحتاج الاستمتاع بها إلى قراءة أكثر من الاستماع. وتشير ندى في حوارها لتشرين بأن الجمهور رغم رهبة اللقاء الأول سرعان ما أعطاها مد قوي، فشعرت معه بألفة كبيرة، تلك الألفة كانت غايتها عند اختيار قصائد الأمسية، فهي، كما تقول، تسعى لتنشئ عبره علاقة بينها وبين الجمهور، هي أساس اختيارها لما تقدمه من قصائد.. مؤكدة في النهاية أن القصيدة مهما تنوعت أغراضها وأفكارها تبقى تحمل رسالة سامية هي وظيفة الكتابة في الدرجة الأولى. ‏

علي حمام.. أحب بيروت، وأحب دمشق أكثر:

ولأن واثق الخطوة (يلقي ) ملكاً، قدم الشاعر الشاب علي حمام باقة من قصائد ديوانه (بلا قصد تشتهيك العصافير) ارتجلها أمام الجمهور بتأثر عال، يشهد على تمرسه خلف المنابر، فأمسية دمشق كما يقول، لم تكن الأولى له بل سبقها أمسيات في بيروت وطرابلس وصور. ‏

أربع سنوات قضاها علي في العمل في المسرح، في فرقة أحمد الزين، لم ينقطع خلالها عن الكتابة، أصدر خلالها ديوانه المشترك مع بلال قبل أن يصدر أخيراً ديوانه (بلا قصد تشتهيك العصافير)، ينسج في إحدى قصائده أمنية صغيرة:

في الشارع ‏

حيث الرصاص ‏

لا رغبة لي في أن أحبك ‏

لي رغبة، واحدة ‏

أن أرجع إلى شجري سالماً ‏

كالرياح ‏

ولا ينفصل علي عن محيطه في قصائده، يعترف علي لتشرين، فهي جزء من معاناة الآخرين،وعبر النص الأدبي ينقل هذه المعاناة، التي بدورها ستجد صدى في نفس القارئ فتصله الفكرة.. يشترط علي حبه للقصيدة أولاً ليقدمها للآخرين، لافتاً بأن القصيدة الجيدة هي تلك التي تليق بكل الأحداث فالشعر، كما يقول، ومضة في هذه العتمة الطويلة ولهذا نحن نقرض شعراً. وفي الأمسية،إلى جانب ما ألقاه من قصائد عن الروح، قرأ على محمد في قصيدة استعادت ذكرى الغائب الحاضر: ‏

محمد ‏

على باب لاسمك يستريح العابرون ‏

فاذهب ‏

كوليمة ضوء لذئاب المدى ‏

كخيط ‏

شد أفقاً تكور ‏

أو تقوس كالزبد. ‏

يحب علي حمام مدينته بيروت، يخبرنا الشاب، فهو ابنها، ولكنه يحب دمشق أيضاً، فهي مدينة تنبض بالروح والحياة لذلك فهو يحبها أكثر. ‏

سناء رزق عون.. والتفاصيل الكاملة للعشق:

القاصة سناء رزق عون، كانت خاتمة مسك الأمسية، قدمت قصة قصيرة (أرملة الروح) ربما عابها الاستغراق في التفاصيل قليلاً، لكنها تجاوزت الأمر بلغة شاعرية حالمة، تشهد بولادة قاصة سيكون لها شأن كبير في المستقبل. ‏

ولأن أمسيتها الدمشقية كانت برفقة ثلاثة شعراء، عمدت سناء إلى أن يكون بطل قصتها شاعراً كبيراً، وتكون بطلتها فتاة تروي تفاصيل العشق كما عاشتها مع الشاعر الكبير الراحل. ‏

القصة بالمجمل حملت لغة مميزة، خاطبت سناء عبرها جمهور، قالت عنه لتشرين، انه أساس اهتمامها، وأنها عندما تكتب تحترم هذا الجمهور، وتحترم واقعه، لذلك ترى أنه من المستحيل أن تقدم نصاً له ليست راضية عنه. ‏

وعن مدى التصاق قصصها بالواقع، تقول سناء: عندما تستمع إلى قصة من عالم الفضاء، من الممكن أن تغادر الصالة لأنك أمام عالم لا تعرفه، وبالتالي فإن أساس الأدب وأجمله ذلك المستقى من حالة واقعية في المجتمع، وأنا من المستحيل أن أكتب شيئاً مخالفاً لعالم الواقع. ‏

على هذا النحو قدم الشبان الأربعة أوراق اعتمادهم في عالم الإبداع، في أمسية أعادت للذاكرة المشتركة حكاية الروح الواحدة والموزعة بين جسدين.. هكذا نجح الشباب في إيصال الرسالة، ونجحنا نحن في تلقيها. ‏

����