٣/٠٥/٢٠٠٥

زوايا غنائية

بشير البكر

1


في <<كينغز كروس>>(1)
ظلمة في اتجاه،
أبعد من المكان.
مصابيح تؤرخ للأوقات الخاصة،
في ليال مشتعلة بالبوح.
الرعاع رواد الكهوف الناعمة،
الذين تلمع عيونهم،
في الفجر.
خيول الرومنطيقية،
ذات الأفواه الناعمة
والقبل الطرية،
أصوات مبحوحة،
خلف الستائر،
تأتي من شجن دافئ
ترفرف حول أشجار الإسمنت،
في وحشة الليل،
تهز الهواء الراكد،
كما يحرك الموت الأرض المهجورة.
حياة خاصة،
ملطخة باللذة والمجون.
حرير الأوقات الشبق،
يستلقي فوق تاريخ،
من الأحلام،
في اضطراب الأضواء،
حين تزدحم الأزقة بالرغبات.
الألم والبهجة،
ينمو الزنبق الفاتن،
في ردهات خلفية،
كشريط حياة تحتفي بالأخطاء،
وتذوب في الشهوة،
كل ليلة،
عند الفجر،
قرب كأس شراب.
خطوة بعد خطوة،
نحو سرير يسافر آلاف الأميال
صعوداً إلى الذروة،
العالية كعمود من النار.
2
في الطرقات السرية،
من <<كامدن تاون>>(2)،
إلى <<تفنل بارك>>،
سحب ترمي بألق المساء،
في حانات السحر الأسود.
تبغ يشع في الليل،
درج ينزل نحو الهشاشة،
يمتد نحو الحنين،
إلى أصقاع نائية،
حيث يخيم سكان القوارب
في منخفضات مائية،
بجوار أحواض البط،
والأسماك الصخرية،
وحدها،
رياح الفجر المقفرة،
تسير أمامي،
وأنا أنزل أدراج الليل،
بخطوات آتية من زمن بعيد،
كطائر أسود،
فوق عمود من الدخان،
في تلك الضاحية
التي تشبه شجرة صنوبر
منسية في ليلة عيد الميلاد.
معاطفها ملوحة فوق العشب،
حين يبلغ بياض النساء،
أوج النكهة،
ببطء، بسهولة،
برقة حارقة،
بعيدا عن العابر المشتعل،
فوق بحور الظلمات،
يأتين،
كأفواج من الدهشة،
تفتح أبوابها ليلا.
في الظلمة،
كحياة أخرى يتقدم،
أحمر الشفاه الماكر،
يتبدد كالرغبة
في كؤوس الشراب.
وردة أكثر لطفا،
على الطراز الانكليزي.
بدائية،
تجلس وحيدة،
الساق على الساق.
ناعمة، متدلية
في الرابعة فجرا،
لا أحد ينضم إليها
تعبرها الساعات،
كدرج لولبي،
وأنا الذي أكاد،
في شهقة الفجر الأولى،
أغطس تحت هذا السطح،
وسط عشاق الليل،
أسقط نحو فراشي،
في <<تفنل بارك>>،
وحيدا.
مخلفا مرآة مكسورة،
ورماد ثمل،
وشهوات سوداء،
بلا ثمن،
تتسلق منحدرات الليل الفائت،
الذي انكفأ أدراجه
مثل مومس بالية.
على مَقْرُبةٍ
إلى جميل حتمل
ماذا لو أهديتك الحياة!؟
عطر الوردة،
رائحة الأصدقاء،
ضوء القمر،
كأس الشراب،
فطيرة الصباح،
النوم العميق،
المتأني الذي يسقط في كهف الجسد،
الطرقات السرية،
برد المسافات بينك وبين المرأة،
الغليون العتيق،
والقبعة الفستقية
التي نسيتها في منزلي البيروتي،
الجرعة الإضافية من الوطن،
الطائرة التي تفتش
عن مصابي الأرق.
الكاميرا،
والماضي،
وقامة الصبي النحيلة،
تركض خلف أفكاره.
صبي بالكاد،
حين يتمالك أحلامه،
ينسكب كالجدول،
إلى حجارة المشهد،
الضائعة في بلدان العالم الآخر.
ماذا لو عبر وطن آخر،
عند حافة الحياة،
في مساء مطلي بالخوخ،
شربنا كأس الزمن الرائع،
منذ سنوات،
بمنقار الطائر الرفيع
والشجي،
بالأيام التي تهوي،
من أصابعنا،
تمضي إلى تفاصيل فردية،
في شجر الغياب،
الذي ينمو فوق هضبة قاسيون.
ماذا لو في تشابه،
سكان المقابر،
الدودة العمياء،
التي تقتات الجسد،
النمل الذي يزحف،
في هزيع الموت.
عود ثقاب مطفئ،
الوجوه غير المألوفة،
المنسية في قطار الفجر،
الفم،
الدمع،
الأشجار،
الكلام الشارد،
في الجملة المفاجئة،
البحر،
الصخور،
الوطن الرملي،
البيت في البرية.
فناء الدار في القصاع،
المتموج طوال الليل.
الطلاق السريع،
القلب المهترئ،
القمح الأشقر،
النداء الشاحب،
تحت السماء الصامتة،
المثقوبة بالرصاص،
ورائحة الخيانة.


(1) كينغز كروس: حي لندني عامر بعلب الليل والحانات.
(2) كامدن: حي لندني ذو نكهة خاصة.

السفير الثقافي

2005/03/04

����
���� ������