٥/٠٨/٢٠٠٥

قصائد لـ تمّام التلاّوي
(سوريا)

شِعرائيل

جاءَني في ليلةِ السبْتِ وقدْ ناموا جميعاً
جاءَني: كنتُ صغيراً
كانَ مبتَلَّ الجناحينِ طويلَ الّلحيَةِ البيضاءِ مُلْتفّاً بأوراقٍ قديمةْ
خلَعَ العِمَّةَ واسْتَسْقَى
فعبّأتُ لهُ خوفي وحاولتُ البكاءْ
مدَّدَ الأيمنَ فوقَ الطاولةْ
قال: يا ابْنِي لا تخَفْ وانتزِعِ الريشةَ هذي مِنْ جَنَاحي
قلتُ: منْ أنتَ؟.. وحدّقتُ بعينَيهِ
-ففاضتْ أعيُني بالخوفِ إذْ أدركتُ كمْ يُشبهني لمَّا أشِيخْ-
قال: شِعرَائِيلُ إسمي, فانزَعِ الريشَةَ واغمِسْها صباحاً بدَوَاةِ البَحرِ واكتبْ فوقَ رملِ البحرِ إسمَكْ.

عندما غادرَني في ليلةِ السبتِ
حملْتُ الريشةَ البيضاءَ نحو البحرِ صُبحاً
وكتبتُ اسمي كمَا أوصَى
فجاءَتْ موْجةٌ
غطَّتْ على اسمي ثُمّ عادَتْ
فمَحَتْهُ..

عندما عدتُ إلى بيتي حزيناً
ورأيتُ الليلَ ما زالَ على طاولتي,
من يومِها
من يومِ أن جفَّتْ عيوني أرَقَاااا
فَاااارَ من ريشةِ أيّاميَ بَحرٌ
وبدَأتُ الغَرَقَااااا..

* * *

II. عندَما جاعوا جرَحتُ لهُمْ يدِي..

رأيتُ نهدَكِ مرَّةً في الحُلم

[ 1 ]

الأرض في تعبٍ تدورْ.

[ 2 ]

سنةٌ حنيني..
في الخريفِ:
رأيتُ أيّامي التي تهمي رَذاذاً فوق أرصفةِ انتظاري.
في الشتاءِ:
سكبتُ أحطابي بمدفأةِ الغناءِ، وخمرَ ذاكرتي
بأقداحِ النساءِ.. فلا المدافئُ أدفأتْ صوتي،
ولا الأقداحُ أنستني خمورَكِ.
في الربيعِ:
حملتُ سلّةَ دفتري وجمعتُ أزهارَ المديحِ،
لكي أغطّي جسمَك العاري إذا ما عُدتِ بالريحان.
لكن الربيعَ مضى ولم يتركْ لحبري غيرَ أقلامي التي
ذبلتْ، ولم أتركْ له إلا قصاصاتِ الأنينْ.
في الصيفِ:
أرسلتُ الرسائلَ، ثم أكملتُ السنةْ.
... والآن أَكبرُ في الحنينِ، وكلُّ عامٍ والحنينُ
بألفِ خيرٍ، فاطمئنّي، الأرضُ ما زالت تدورُ،
وباردٌ كانون بعدكِ..

[ 3 ]

نحلةٌ ثغري..
ولكن بعد نهدكِ لم نذقْ عسلاً
وما من مرةٍ قاربتِ ذاكرتي ولم يلسعْ غيابُكِ وحدتي..

كانون بعدك باردٌ..
ورسائلي ذهبٌ - صرختُ -
فصار حزني منجماً في عتمهِ ميّزتُ نهدَكِ بين
آلافِ الكنوزِ،
وكيف لا، وأنا أرى حولي المصلّينَ الذينَ إذا الجفافُ ألمَّ في وديان مِصرَ، يُيَمِّمونَ وجوهَهُمْ شطرَ ارتعاشتِهِ
فيمطرُ لؤلؤاً فوقَ الأكفِّ
وياسمينا...
ما تزالُ تدورُ..
في تعبٍ تدورُ .

[ 4 ]

رأيتُ نهدَكِ مرَّةً في الحلمِ:
حين لمستُه ابيضَّتْ يدِي من غيرِ سوءٍ،
وارتجفتُ،
فطارَ من جسدي الحمامُ
وطافَ في ساحاتِ مكَّةَ،
كان نهدُكِ قبَّةً ذهبيّةً تغفو عليها حُمرةُ
الشفقِ الغروبيِّ،
استبحتُ لشهوتي في الليلِ أن تعلو عليهِ
فانزلقتُ
ورحتُ أهوي
رحتُ أهوي
رحتُ أهوي..

كنتُ أهوي حينما استيقظتُ.
.. عاتبَني ابنُ سِيرينٍ على حُلمي، وقالَ:
بُنيَّ لا تقصصْ على الشعراءِ رؤياكَ التي سَفكَتْ نشيدَكَ.. ثم لا تحلمْ بنهدٍ مرَّةً أخرى لأنَّ النهدَ في الأحلامِ لا يَشفي من الحُمَّى، ولا يُملي على ورقِ الصحَارى نخلةً..

كانونُ بعدَكِ باردٌ, والأرضُ في تعبٍ تدورُ.
وبعدَ نهدكِ باردٌ, والأرضُ في تعبٍ تدورُ،
الأرضُ في تعبٍ تدورُ، تدورُ في تعبٍ،
وبعدكِ باردٌ كانونْ.

* * *

����
���� ������